قصة (مدار) الجزء الأول
يَعِجُّ الْفَضاءُ الْمُحيطُ بِالْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ بِمِئاتِ الْأَقْمارِ الصِّناعِيَّةِ التي تَعْمَلُ بِهُدوءٍ بِلا كَلٍّ أَوْ مَلَلٍ، وَفي أَحَدِ الْأَيّامِ.. وَصَلَ قَمَرٌ صِناعِيٌّ جَديدٌ، يَخْتَلِفُ عَنْ الْأَقْمارِ الْأُخْرى، فَحَجْمُهُ صَغيرٌ وَعَمَلُهُ مُخْتَلِفٌ عَنْ الْأَقْمارِ الْأُخْرى كُلِّها.
قالَ الْقَمَرُ (سهم) وَهُوَ أَقْدَمُ الْأَقْمارِ:
- أَهْلًا بِالْقَمَرِ الْجَديدِ في مَدارِكَ. ما اسْمُكَ؟ وَما وَظيفَتُـكَ؟
رَدَّ الْقَمَرُ الصَّغيرُ:
- اسْمي (زورق)، وَعَملي هُوَ نَقْلُ إِشاراتِ الْأَلْعابِ الْإِلِكْتُرونِيَّةِ..
قاطَعَهُ قَمَرٌ كَبيرُ الْحَجْمِ:
- ها ها ها! أَلْعاب إِلِكْتُرونِيَّة! أَنا اسْمي (عاصف)، لا تَمُرُّ غَيْمَةٌ في سَماءِ الْأَرْضِ دونَ أَنْ أُصَوِّرَها، فَأَنا أُراقِبُ اتِّجاهَها وَسُرْعَتَها، وَأُرْسِلُ إِشاراتٍ لِلْأَرْضِ تُساعِدُ الْبَشَرَ في مَعْرِفَةِ حالَةِ الطَّقْسِ، فَإِنَّ بِدوني لا يُمْكِنُ لِلطّائِراتِ أَنْ تُحَلِّقَ.
قالَ قَمْرٌ آخَر:
- اسْمي (كاشف)، وأنا أُعِدُّ الْخَرائِطَ وَأَرْصُدُ الازْدِحامَ في الطُّرُقاتِ، وَمِنْ دَوني ستَرْتَبِكُ حَرَكَةُ الْمُرورِ.
مَرَّت الْأَيّامُ.. وَاسْتَمَرَّت الْأَقْمارُ في الْعَمَلِ في مَداراتِها، وَكانَ (زورق) يَعْمَلُ بِنَشاطٍ دونَ تَوَقُّفٍ.
قالَ لَهُ الْقَمَرُ (سهم):
- أَرى إِشاراتِكَ تَـتَّجِهُ إِلى الصَّحْراءِ وَالْغاباتِ الْبَعيدَةِ، وَلَيْسَ فَقَطْ إِلى الْمُدُنِ!
أَجابَ الْقَمَرُ (زورق):
- إنَّ بَرامِجي تَحْتَوي عَلى الْكَثيرِ مِن الْأَلْعابِ الْإِلِكْتُرونِيَّةِ التَّعْليمِيَّةِ لِمَلايين الْأَطْفالِ، خَاصَّةً إِلى الْأَطْفالِ الذينَ يَعيشونَ في الْمَناطِقِ الْفَـقيرَةِ وَالنّائِيَةِ.
تَعَجَّبَت الْأَقْمارُ الصِّناعِيَّةُ، وَسَأَلَ الْقَمَرُ (عاصف):
- ماذا يَتَعَلَّمُ الْأَطْفالُ في تِلْكَ الْأَلْعابِ؟
أَجابَ الْقَمْرُ (زورق):
- يَتَعَلَّمونَ الْحِسابَ، وَالْعُلومَ، وَاللُّغَةَ، وَغَيْرَ ذلك..
قالَ (عاصف):
- أَعْتَذِرُ مِنْكَ يا (زورق)، لَقَدْ حَكَمْتُ عَلَيْكَ مِنْ حَجْمِكَ، وَظَنَنْتُ أَنَّكَ بِلا فائِدَةٍ، هَلْ يُمْكِنُ أَنْ نَصْبِحَ أَصْدِقاءً؟
أَجابَ (زورق):
- لا بَأْسَ يا (عاصف)، وَيُمْكِنُنا أَيْضًا أَنْ نَلْعَبَ بَعْضَ الْأَلْعابِ الْإِلِكْتُرونِيَّةِ مع الْأَقْمارِ كُلَّها، وَلكِنْ دونَ أَنْ تُهْمِلَ مُراقَبَةَ الْغُيومِ.